الدكتور إزيد بيه محمد محمود إطارا ومربيا / بلقم ذ. أبهاه عبد الله بودادية

إِزِيد بِيه مُحمد محمود إطارًا ومُربِيًا

بينما نحن جُلوسًا ننتظر بالقاعة أيام الدّرس أحد الأساتذة الأفذاذ ، ممن ألفنا صوته على الشاشات التلفزيونية والإذاعية ، نظرًا لوظيفته الحساسة وخدمته للدولة إرشادًا وتوجيهًا ، إذ عمل أيامها مستشارا لدى رئيس الجمهورية ، وقبل ذلك سفيرا كامل السلطة وفوق العادة ، ثم وزيرا للجمهورية ؛ فعندما أخبرنا مُنسق الشعبة أن إحدى المواد ستُسند إليه تدريسًا وسيشرف علينا تأطيرًا ، حينها أنتابنا شعور بالغِبطة والسرور لم أنم ليلتها لشدة الفرح تشوقا للقائه ، وبينما نحن كذلك ننتظر إذ دخل علينا نشطًا كعادته أنيق المظهر ، صَحل الصّوت ، إذا تكلم أسمع ، يختار من الكلمات أفضلها ، ومن الألفاظ أجزلها

ثم استطرد قائِلاً ، ” دخل الأحنف بن قيس إلى معاوية بن أبي سُفيان فأشار له إلى الوساد فقال له إجلس يا أحنف ، فجلس على الأرض فقال له وما منعك يا أحنف من أن تجلس على الوساد ، فقال له يا أمير المؤمنين إنه فيما أوصى به قيس المنقري ولده أن قال له : لاتغشى السّلطان حتى يَملّك ولاتقطعه حتى ينساك ، ولا تجلس له على فراش ولا على وساد فإذا جلست فاجعل بينك وبينه مجلس رجل أو رجلين ، فإنه عسي أن يأتي من هو أولى منك بذلك المجلس فتُقام لأجله فيظهر فضله عليك وتظهر منقصتك ؛ فحسبي يا أمير المؤمنين بهذا المجلس فقال له معاوية : لقد أُوتيت تميم الكلم ، مع رقة حواشي الكلم ” البيان والتبيّين ، للجاحظ .

كان ذلك أول درس أتحفنا به من الحِكمة في اختيار حُسن المجالس ، وبينما هو مستغرق في الشّرح كعادته يمخُر عُباب المعارف جِيئَة وذهابًا إذ مر بنا أحد الأساتذة فاندهش لمرآه فقال له ، سعادة “المستشار” ألا يكفيك عناء ما قدمت للأجيال وتكتفي بوظيفتك الجديدة مستشارا لدى رئيس الجمهورية فرد قائلا : أنا مسؤول عن هذه الأجيال ووظيفتى كأستاذ لن أتخلى عنها ، لأن هذه الأجيال قد أحتاجها يوما ويجب أن أترك بصمة شرف تُبقِي لي ذُخرًا سرمديًا أتمشي به وذكرًا خالدا فطأطأ الأستاذ رأسه قائلا : صدقت

لم يكن “إزيد بيه محمد محمود” أستاذا فقط بل كان صاحب اتجاه في التاريخ قل نظيره وندر أشباهه ، إذ ساير “بن خلدون” في جزالة اللفظ وحسن التعبير ، حتى لقب عند أبنائه الطلبة “بالجاحظ”

لقد جَمَع إزيد بيه بين خصلتين يندر الجمع بينهما – إلا من حباه الله رُشدا قيما وتوفيقا منه – ألا وهما حُسن “التّعبير” و” الكتابة” فإذا كتب إزيد بيه فاعلم أنك أمام قاموس لغوي جَزْل يمكن أن تملأ منه خواءك لغويا وتذهب بالزيادة لتقسمها عطاءً لاينفذ على أقرانك ، أما إذا تكلم فاعلم أنك أمام خطيب لا يُمل حديثه علمًا وحِكمًا إذ لا يتكلم إلا مستشهدًا أو مُحيلا لشدة الاطلاع ، فعلمت من يومها أن العلم ” جكني ” الأصل

ولقد مثل الجيل الذي درسه إزيد بيه محمد محمود ، جيلا ذهبيا بكل ما في الكلمة من معنًى فقد درسنى في المرحلة الإبتدائية من هم خريجي المدرسة الإزيدبيهية “بداه ولد فال” الذي كان كثير الإشادة به وقد خرّج هذا الشّخص على يده أجيال تدين له بالعِرفان ، وكلي فخر أني خريج هذه المدرسة تربية وتهذيبًا ، ثم درسنى إزيد بيه في المرحلة الجامعية لأَسْتَنْشِقَ عبق المعارف مع إكليل من أكاليل اللغة ومرشدًا من مرشديها ، فحفظه الله لموريتانيا .

الأستاذ : أبهاه عبدالله بودادية .