وادان..عروس المدائن / خونه ولد إسلمو

وادان هي تلك  الفاتنة المتربعة على عرش الجمال المدن, هي تلك الجوهرة المتلألئة على سطح هضبة أدرار الشامخة, لكن رويدك فكل ذلك الجمال الأسر الذي يتراءى من بعيد لا يعدو كونه طلاسم منحوتة في الصخر لتخفي عنك كنوز من الأصالة الوادانية العريقة المجيدة والتي ما تفتأ تطأ قدماك مدينة وادان حتى تبدأ في اكتشاف دررها العتيقة المنثورة في تلك المشكاة المعلقة بين الأرض والسماء فعندما يغمرك الأهل بوادان بحسن معاشرتهم وبطيب محتدهم ستغدو محبة وادان منك بمثابة الروح للجسد فلن يفارقك فصاعدا طيف من معالمه وعبق من مآثر علمائه وجميل تعجز عن رده.

 تلك هي وادان التي قاومت سطوة الاندثار وأبت إلا الشموخ لتحكى للأجيال أسطورتها التي خلدتها سفر التاريخ وتلهج بها الألسن وتطرب لسماعها الأذان وتنتشي بصدها الروح فكل ما مررت تحث الخطى في شارع الأربعين عالم ستدب في ذاكرة اللاوعي الحياة وتعود بك في رحلة فانتازيا تعيش فيها بكل الحواس والجوارح مشهدا حضاريا ذا سحر ورونق يحاكي روعة المراحل التي مرت بها وادن منذ التأسيس حتى الآن فالمدينة هي عبارة عن متحف مفتوح يجول فيه البصر بين شواهد النهضة الثقافية والتطور العمراني لوادان والتي كان عمادها الإنسان الواداني المكابد للمشاق الصابر على قسوة الطبيعة المنتج المبدع المبهر, ففي كل زاوية من أزقة تلك المدينة التي تأسست على مبدأ التكامل والتضامن في كل شيء ستقف إجلالا للإنسان الوادني وكيف اجتهد وثابر وجمع بين العلم والعمل حتى صار أهل الواديان مضرب المثل في العبقرية حيث يقول شاعرهم:

قد خصنا الرحمان قدما عن الورى … بوادان عن جميع المدن والقرى

واد من العلم ثم تمر يحفه … فخذ من هنا علما وكل من هنا تمرا

نعم إنها وادان التي فتحت ذراعيها بتنوعها وثرائها وتراثها وكرمها وأبوابها لكل الوافدين ولسان حالها يقول:

يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا … نحن الضيوف وأنت رب المنزل.  

استقبلت وادان نسخة 2021 من مهرجان مدائن التراث وكانت نسخة استثنائية ومميزة توجيها وتنظيما حيث سعت الحكومة في بادرة موفقة إلى جعل مهرجان مدائن التراث مناسبة وطنية للرقي بالتراث المادي واللامادي وترقية النشاطات التنموية للسكان وتحسين ظروفهم المعيشية حيث أصبح مهرجان مدائن التراث مهرجانا ثقافيا تنمويا, فمن خلال شقه الثقافي الحضاري يسعى المهرجان في ثوبه الجديد للحفاظ على التراث وتثمينه أما في الشق التنموي فيرمي أساسا إلى تشجيع السكان المحللين على الاستقرار والإنتاج من خلال مشاريع تنموية لها ارتباط أساسي بحياتهم الاقتصادية ومشاريع الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والمرافق الثقافية والرياضية وهي رؤية حكيمة ونهج قويم سنه رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وعبر عنه في خطابه الافتتاحي لمهرجان مدائن التراث بوادان حيث قال في ذلك الخطاب التوجهي الهام: “يهدف هذا المهرجان إلى الاحتفاء بتراثنا وترقية مدائنه ودعمها بالمشاريع التنموية تثبيتا للساكنة في مواطنها وتحفيزا للصناعات الثقافية والتراثية، وقد كنت التزمت في مدينة شنقيط وكذلك في مدينة وادان بالعمل على ألا يتحول هذا المهرجان إلى هدف في حدّ ذاته ينتهي أثره بانتهاء فعالياته.”

لقد كان حجم استثمار الحكومة في هذا المهرجان بالغ الأهمية من خلال التحضير الجيد له وهو ما عكسته نوعية المشاريع التي تم إطلاقها والمبالغ المعتبرة التي تم ضخها لتنفيذها بشفافية ووفقا للمعايير الفنية والعلمية الصارمة ما سيكون له مردودا وانعكاسا ايجابيا على تثبيت السكان المحللين في مدينتهم.

 وفي لفتة تترجم حرص رئيس الجمهورية على توسيع وتسريع وتيرة تنفيذ برنامجه الانتخابي تعهداتي تم إطلاق مشروع واحتي وادان وتللبه الواقعتين على مساحة 100 هكتار حيث تم غرس  14.000 نخلة وهو مشروع واعد وطموح ستستفيد منه الأسر الفقيرة في المدينة والتي ليست لها أملاك واحاتية وستلج للتملك النخيل لأول مرة وهذا المشروع الثمين الاجتماعي الاقتصادي الهام سيشمل حفر 18 بئرا ارتوازيا و 4 خزانات للمياه وهو انجاز كبير يدخل في إطار اهتمام رئيس الجمهورية بتطوير هذه المدن وتنميتها وهو محل تثمين وامتنان من سكان مدينة وادان.

وفي إطار المحافظة على الموجود تم توجيه جهود معتبرة وتمويلات هامة للحفاظ على واحات ودان وتللبه القديمة حيث تشرف عدة جهات حكومية على استحداث منظومة تسير مستدامة لمياه الأمطار من أجل تغذية البحيرة الجوفية التي تعتمد عليها المدينة في توفير المياه الشروب ومياه ري الواحات حيث تمت برمجة بناء سدين أحدهما عند منبع المجرى المائي للوادي والثاني عند مصبه وكذلك  إقامة 8 وحدات للري الجماعي في الواحات القديمة بوادان وتللبه وأنوج.

إن مهرجان مدائن التراث الذي ستنتظره مدننا القديمة المصنفة تراثا وطنيا وعربيا ودوليا إنسانيا بفارق الصبر ووافر التطلع الواحدة تلو الأخرى صار حدثا تتناقله الركبان وسيصل صداه إلى أبعد الأفاق كونه نموذجا يحتذى وتجربة قابلة للتصدير وسيكون فاتحة خير وبشر لسكان مدائن التراث اللاتي زفت لهن وادان الخبر السار أن المهرجان صار جامعا للاهتمام بالتراث وصونه ومناسبة لإطلاق مشاريع تنموية اقتصادية اجتماعية فيها منافع للناس.