نَازِلَةُ “التّبْيِيضِ السِّيَّاسِيِّ” / المختار ولد داهى

يُراقب الموريتانيون بقدر كبير من الحيرة و الاستغراب  و التعجب و الاستفهام “اجْتِيًاحَ” عالم السياسة الوطنية خلال العشريات الأخيرة من طرف “سِرْبٍ” من الأشخاص غير المعروفين في ساحات النضال و العمل السياسي مستخدمين المال “كسلاح للتفوق الشامل”Arme de Domination Massive( ADM)/Arm of Massif Domination. 

وهم غالبا أشخاص قضوا ربيع أعمارهم مستغرقين في اهتمامات أخري بعيدة إن لم تكن مُتَنَافِيًةً و مُتَلَاغِيًةً  أصلا و فرعا مع أصول و مقاصد العمل السياسي.

و يسعي هؤلاء الوافدون الجدد من خلال اقتحام عالم السياسة القُلًبِ، المُتَمَوِجِ و  المُتَعِرِجِ إلي ما يمكن أن نطلق عليه “التبييض السياسي” أو “التبييض بالسياسة” لماضي أو حَاضِرِ الأنشطة التي مارسوها أو لا زالوا يمارسونها و كانت  سببا في “رمادية” و “ضَبَابِيًةِ”  “صَحَائِفِهِمْ المَعْنَوِيًةِ” لدي الرأي و الإدراك العام الذي يَعْسُرُ عليه أن يَنْظُرَ لهم أو  يتقبلهم خارج دوائر “اختصاصاتهم” التقليدية.

و تنتعشُ في بلادنا أيضا  أنواع أخري من  تبييض الشخصية  مثل ” التًبْيِيضُ بالتًدَيُنِ” و التبييض الثقافي” و ” التبييض الإعلامي” لكن ما يهمنا في هذه “الأَفْكَارِ المُتَقَطِعَةِ ” هو ” التبييض السياسي” أو “تبييض الشخصية بالسياسة” الذي يمكن تعريفه قياسا علي التعريفات القانونية لتبييض الأموال بأنه هو ” اقتحام عالم السياسة من طرف  شخصيات غير مختصة بالسياسة غالبا، بغرض استخدام الواجهات  الانتخابية(البرلمانية أو البلدية) أو الحزبية أو المدنية من أجل إخفاء أو مَحْوُ أو صَقْلِ ماضي “عدم الطًهَارَةِ” المالية أو السياسية أو “المُرُوئِيًةَ”،… أو  بهدف تأمين “التغطية  المعنوية” و “التحصين القانوني” لحاضر و جَارِيِ بعض الأنشطة المخالفة للقانون أو المنافية للأخلاق و الذوق العام.”
 
و يُظْهِرُ الاستقراءُ و المَسْحُ  التحليلي لخارطة بُغَاةُ و “غُزَاةُ”  “التبييض السياسي”  أو “تبييض الشخصية بالسياسة”  ببلادنا انتماءَهم  في الغالب الأعم إلي أربع فئات:-

أولا-فئة “الثراء الصاروخي بلا سبب” : و هم مجموعة من الأشخاص المُنتمين  غالبا إلي فئة الشباب و متوسطي الأعمار  من الجنسين  الذين تحولوا ما بين غَمْضَةِ عين  و انْفِتَاحِهَا إلي أثرياء كِبَارٍ، لا يُعْرَفُ لأصول ثرواتهم سبب مشروع و لا مصدر معلوم يسعون بكامل النًهَمِ و التًحَدِي و “العُدْوَانِيًةِ” أحيانا إلي احتلال المشهد السياسي ابتغاء تبييض الشخصية و المالِ مجهولِ المصدر عن طريق “المِصْعَدِ السِيًاسِي”Ascenseur politique/ Political mobility و الجمع بين الحُسْنَيَيْنِ و الغَنِيمَتَيْنِ: المال الوفير و الجاه السياسي الأثير؛

ثانيا-مجموعةُ أصحاب السوابق العدلية أو “المُرُوئِيًةِ”: و هؤلاء مجموعة من المنحرفين و أصحاب السوابق العدلية  و الشخصيات المعروفة بعدم اتقائها للشبهات و اسْتِمْرَائِهَا  لِخَوَارِمِ المروءة من المنتمين للجنسين  و الذين لُوحِظَ اهتمامُهم و اقتحامُهم للميدان السياسي  و سعيُهم إلي حَصْدِ و انتزاع أَلْقَابَ و عناوينَ سياسية انتخابية أو حزبية سبيلا إلي تبييض شخصياتهم عن طريق العمل السياسي و تَخْدِيرِ و تَنْوِيمِ  و غَسْلِ الذاكرة الجمعية ؛
 
ثالثا-طائفةُ أصحاب سوابق الفساد المالي و الإداري و الإضرار بالمرفق العام: و يتعلق الأمر بموظفين سامين  متقا عدين أو لا زالوا عاملين عُرِفُوا باعتبارهم المالَ العامَ الموكل إليهم تسييرُه مُلْكًا شَخْصِيًا خاصًا او عائليا خَالِصًا سائغا فجمعوا منه ثروات طائلة يستخدمونها بسخاء لتبييض  وجوههم  من خلال  بناء أو “شِرَاءِ” ظهير قبلي  أو مدني انتخابي، فاعل، عريض و مؤثر؛

رابعا-جماعةُ رموز الغُلُوِ في تَمْجِيدِ  الأنظمة الاستبدادية: و أخص بالذكر هنا جماعة  السياسيين الذين اتخذوا في لحظات ضعفٍ أو خوفٍ أو جشعٍ  إبان الأحكام الاستبدادية أو شبه الاستبدادية مواقفَ  سياسية مُفْرِطَةَ الحَدِيًةِ في “الوَلَاءِ الأَعْمَي” حديثا أو كتابة أو عملا  صَنًفَهَا الرأي العام  الوطني في خانة ” أُمًهَاتِ التًزَلُفِ الأعمي” و الذين يسعون من خلال النضال النَشِطِ ” مُفْرِطِ الحَدِيًةِ و الهِجَائِيًةِ ” ضمن الأذرع النضالية لأحزاب  المعارضة  التقليدية إلي  التوبة و التكفير عن ماضيهم و تبييض “مَارْكَاتِهِمْ” السياسية.

و  تستحق نازلة “التبييض السياسي” دراسات معمقة  تَسْبِرُ غَوْرَ أسبابها و مظاهرها و انعكاساتها و التصحيحات المناسبة لها و أقترح  أن تكون موضع دراسات رصينة من طرف مراكز البحث و الاستشراف و مواضيع بحوث طلابية من طرف طلاب درجة و دبلوم  الماستر في تخصصات العلوم السياسية و علم الاجتماع السياسي بجامعة نواكشوط.
و في تقديري “تحت المتواضع” أن أي دراسة علمية رصينة لنازلة التبييض السياسي سوف تَخْلُصُ إلي اقتراح رُزْمَةٍ من التوصيات سيكون من بينها:-

١-مراجعةُ النصوص القانونية المنشئة للأحزاب السياسية و المحددة لأهلية النًاخِبِ و المُنْتَخَبِ و قيادة العمل السياسي من أجل إدخال إجراءات قانونية رادعة تُحَارِبُ  ظاهرة “التبييض السياسي” و تُعَزِزُ تَطْهِيرِ الحياة السياسية؛

٢-اشتراطُ فترة تربص تدوم عشر سنوات علي الأقل قبل استعادة أهلية  الاْنتِخَابِ و أهلية الانتساب إلي الهيآت القيادية للأحزاب السياسية بالنسبة لأصحاب السوابق العدلية و المالية و التسييرية و “المُرُوئِيًةِ” ؛
 
٣-تشجيعُ تمهين الممارسة السياسية من خلال سن مكافأة أقدمية و انتظام المسار المهني السياسي و اعتباره معيارا ترجيحيا و تفضيليا حاسما في أهلية قيادة الأحزاب السياسية و الحصول علي تزكيتها للترشح للانتخابات البرلمانية و البلدية و ذلك ابتغاء إغلاق الباب أمام الطموحات غير المشروعة لغزاة التبييض السياسي الذين لا ينتسبون  عادة للأحزاب السياسية  إلا من باب المراكز القيادية أو الترشيحات الانتخابية؛

٤-إعدادُ استراتجية متكاملة الأبعاد واضحة الأهداف محددة الآجال الزمنية لمحاربة “التبييض السياسي” خصوصا و” لتطهير” الحقل السياسي عموما من الشوائب و الشبهات التي علقت به من رواسب و مخلفات  الأحادية السياسية؛
 
٥-تحيينُ و شرحُ و تبسيط و تطبيق القانون المنظم لتمويل الأحزاب و الأنشطة السياسية و الحملات الانتخابية سبيلا إلي تَحْجِيمِ أو تَحْيِيدِ الدور السلبي للمال السياسي  –  الذي هو “بَيْتُ الدًاءِ الوطني”- في التأثير علي قناعات الناخبين و إفساد و “تفليس”المشهد السياسي.

-—————————————
**-هذا المقال نشرته عام 20.15فلما أعدت قراءته اليوم ألْفَيته ما زال صالحا100%لهذالزمان و هذا المكان.