حول الجدل الدائر في قانونية صفقات الحكومة الأخيرة
فى ظرفيه عالميه تميزت بظهور أكبر كارثه وبائيه شهدها العالم (كوفيد 19)، عصفت بأعتى البلدان وأكثرها تقدما اقتصاديا وتكنولوجيا. فقد اجتاح هذا الفيروس أكثر من 180 (بلدا وأصاب 861000 شخص مخلفا 42000 قتيلا ) حسب إحصائيات 2\4\2020.
إن الظرفيه الدقيقة التي نمر بها حاليا، تتطلب منا أن نقف صفا واحدا مع الحكومة، والعبء الأكبر في ذلك يقع على النخبة والطبقه المثقفه حتي نجتاز هذه المرحلة ونتعدى الخطر المحدق بنا.
ومن هنا لا يسعنا إلا أن ننوه بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة من أجل تعبئة الموارد المطلوبة لاقتناء اللوازم الطبية الضرورية من جهة، واحترام المساطر القانونية المعمول بها من جهة أخرى من أجل الحد من انتشار الوباء والتكفل بالمصابين، وذلك في أسرع وقت ممكن . رغم الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم أجمع، ما أدى لارتفاع أسعار اللوازم الطبية ، وندرتها في بعض الأحيان، نظرا لتحكم حكومات البلدان المصنعة وحاجتها لتلك اللوازم، ما يطرح العديد من الحواجز أمام تصديرها.
ورغم هذا المجهود الكبير وبدلا من تثمينه، يلاحظ أن البعض للأسف الشديد، يغض النظر عن تلك الإكراهات، ما زال ينظر إلى الأمر وكأنه تبديد للمال العام ونوعا من الفساد، عكس الواقع مع الأسف. وإذا التمسنا لهؤلاء أحسن المخارج، فإننا يمكن أن نرجع الأمر إلى ضعف الثقافة الجمعويه فى مجال الصفقات العموميه.
ومن هنا نجد أنفسنا مدفوعين إلى كتابة هذه المساهمة المتواضعه، ولفائده الذين لا يمتلكون ثقافة كبيره في مجال الصفقات العموميه، باعتبارها مفهوما جديدا على مجتمعنا.
مراعاة للقانون واحتراما للمبادئ التي تحتم على الحكومة الالتزام بالشفافية في مجال تسيير المال العام، واحترام الحكامة الرشيده. ونظرا لدقة المرحلة وضرورة توفير المعدات والتجهيزات اللازمة لمواجهه الكارثة، فان الحكومة تجد نفسها أمام ثلاث خيارات:
– إما أن تبقي مكتوفة الأيدى، وهذا يفاقم الكارثة
– أن تقتني التجهيزات والمعدات بواسطة مناقصة، وهذا يتطلب على الأقل 3 الى 4 أشهر، حسب المساطر المعمول بها قانونيا.
– إما أن تلجا إلى الخيار المتاح في حالة الكوارث والحالات الاستثنائية طبقا للمادة 32 من مدونة الصفقات العمومية للجمهورية الإسلامية الموريتانية التي تقول بالنص: “لا تبرم صفقة بالتفاهم المباشر إلا في الحالات الحصرية التالية:
بالنسبة لصفقات الأشغال والتوريدات:
– في حالة ظروف استثنائية فرضتها كوارث طبيعية …”.
وهذا بالضبط ما عملت به الحكومة، حيث إنها تصرفت طبقا لما تقتضيه المسطرة القانونية في منح الصفقات في الأوقات الاستثنائية.
تجدر الإشارة إلى أن اقتناء تلك التجهيزات والمعدات في هذه الظرفيه بطريقه مختلفه عن تلك التى طبقت ( أي صيغه التراضى)، يعتبر خرقا للقوانين المعمول بها في مجال الصفقات العمومية.
وعليه ومن أجل إنارة الرأي العام، حول ما تناولته وسائل الإعلام أخيرا فيما يخص تمرير بعض الصفقات بشكل غير قانوني، فإنه لا بأس من تبيان الأساس القانوني لصفقات التراضي الأخيرة، إثراء للنقاش الدائر حاليا فى شبكات التواصل الاجتماعي وإنارة للرأي العام الذي قد لا يكون مطلعا بما فيه الكفاية على الأحكام القانونية المنظمة للصفقات العمومية.
لقد حدد القانون رقم 044/2010 الصادر بتاريخ 22 يوليو 2010 المتضمن مدونة الصفقات العمومية جملة من الآليات لإبرام الصفقات، و من بين تلك الآليات ما نصت عليه المادة 32 من هذا القانون ألا وهي التفاهم المباشر الذي يطلق عليه البعض التراضي، و حددت الحالات الحصرية التي يمكن أن يلجأ فيها إلى هذه الآلية، ومنها حالة الظروف الاستثنائية التي فرضتها كوارث طبيعية.
ومما لا جدال فيه ولا يختلف عليه اثنان أن وباء كرونا فرض علينا كما فرض على بقية دول العالم ظروفا استثنائية بكل المقاييس، فتم الحد من الحريات الأساسية المكفولة دستوريا كحرية التنقل و التجمع، و إبرام صفقات بالتفاهم المباشر نظرا لطبيعتها الاستعجالية و مساهمتها الكبيرة في مكافحة هذا الوباء وتأثيراته المختلفة.
وكخلاصة فإن جميع الصفقات المبرمة أخيرا قانونية بامتياز و لا تشوبها شائبة، لا من حيث التأصيل القانوني، و لا من حيث المساطر و الإجراءات.
محمد عالى العبادى