لكي يكون تدخل الحكومة فعالا ومفيدا في حماية المجتمع من هذا الوباء، لابد من أن تقلص من احتياجاتها للعالم الخارجي بالنسبة لأمننا الغذائي في هذا الوقت بالذات حيث تتقلص ساعات العمل في العالم
التمديد لهذه الكارثة حتى لو بقينا بمنأى عنها، وهو أمر غير مؤكد ولا تؤيده وتيرة تزايد هذا الوباء في دول الجوار – التي نحافظ على حدود تجارية مفتوحة معها ما قبلت هي بذلك، بدافع أمننا الغذائي - سيؤذينا من دون شك.
لا نملك حلولا سحرية بالطبع، لكننا نملك ما يملكه الآخرون الذين استطاعوا تجاوز مشاكل مماثلة، هو أن ننظم قدراتنا ونحشدها في الوقت وبالطريقة المناسبين. في كل العالم تكون موارد البلد ومؤسساته المنظمة هي دائما حجر الزاوية في كسب أي رهان (كما كان دور الجيش بعد الحروب وفي الأزمات في الكثير من بلدان العالم). الرهان اليوم هو فك طرفي المعادلة. إننا نستورد كل حاجاتنا الغذائية من العالم الخارجي المصاب بطاعون لا يعرف أحد وجهته: من سيصيب ومن لن يصيب، وإلى متى ستمتد مدته؟
كيف يمكننا أن نترك المواطنين غدا لمواجهة معادلة أطرافها مجهولة. المسؤولية هنا هي تفكيك هذه المعادلة، فلابد من ضمان توفير الغذاء في السوق الوطني، ولابد من ضمان عدم انقطاعه أو عدم غلائه، فإذا ما أصيبت هذه الدولة، لا قدر الله ، بحجم أكبر من الجائحة، وقررت دول الجوار عدم الاستثناء عن إنتاجها أو قررت لسبب ما غلق حدودها، فهل سيكون الحل أن تسند دولتنا حينها رأسها للحائط وتنتحب!؟
وهنا تقع الكارثة بعد ضياع كل الفر.
القاعدة الذهبية تقول إن ترتيبات الشدة تؤخذ في الرخاء. لا يهمنا طرح السؤال: أين هو الرخاء أصلا ؟ صحيح أنه لم يوجد على هذه الأرض، لكن هناك فسحة من الوقت قبل أن لا يكون هناك أي وقت بالأساس.
الواقع -وهو أمر إيجابي بحمد الله – أننا ما زلنا نملك ما نحتاجه من الوقت للقيام بتدابير الحماية، ما نحتاجه فقط هو المسافة بين تبني التدابير الاحتياطية بشأن تأمين أمننا الغذائي ، وظهور الوجهة النهائية للمرض التي قد تمتد لثلاثة أشهر ، وهي فترة كافية لجني ثمار 200 هكتار من الخضروات ( 2,5طن من البطاطس للهكتار و50طن من الطماطم للهكتار ) ، وزراعة 100هكتار من العلف مرتين خلال هذه الفترة (معدل 27بقرة للهكتار )، ليس هذا وحده، فستكون الدولة أنشأت تجربة جديدة ، وهذا عادة من فوائد الأزمات بالنسبة للدولة العقلانية وللأنظمة الوطنية التي توظف المحن لمصلحتها بسبب شحن طاقاتها بقوة وامتصاص حماس أبنائها.
لابد من الجدية في وضع تصور ينظر لما بعد نفاذ المخازن أو توقف باخرة مؤن في عرض البحر بسبب إجراءات ما ، أو عدم قدرتها على الرسو في الموانئ الموريتانية أسبوعين بسبب هيجان البحر ،كما درجت بذلك عادة المناخ الموريتاني ، أو إغلاق إسبانيا لميناء لاس بالماس الذي يمون منه المورد المحروقات للسوق الوطنية. لا أحد يضمن التموين من خارج البلد بتاتا في ظرف كهذا ، يمتاز بتسارع القرارات، فلكل يوم قراراته الخاصة به في اتحاه التضييق على العمل والصناعة. لقد كان الواجب من أجل أي نجاح أصلا هو تأسيس ثقة المواطن بالدولة التي تضررت كثيرا بالسياسات السابقة ، وقد أصبح ذلك لا مفر منه لكونه السبيل الوحيد لحماية شعب من الدمار ، ومع أنه لا عذر في فشل الدولة عندما تكون الظروف تسمح بالتحرك لوضع الخطط والحلول المناسبة في الوقت المناسب، فقد تتفاوت وطأة الفشل بحسب إمكانيات الدولة على الأرض وطريقة حشدها للوسائل والموارد ، وهنا يكون تحقيق الأمن الغذائي المتعلق بالصيد أمرا متاحا لتوفر جميع الشروط والظروف لذلك.
يقدر مخزون البلد من صيد السطح أو نصيبه من السمك المهاجر بمليون وخمس مائة ألف طن سنويا ،تذهب أغلب مقبوضاتها إلى مصانع السمك وصناعة الساردين، وتقوم السفن المرخصة للصيد في المياه الموريتانية (الروسية والتركية والصينية والهولندية الخطيرة ) باستنزافه بمعدل 200طن للسفينة خلال يوم أو يومين خاصة السفن التركية التي يتوجه منتوجها لمصانع دقيق السمك ،أي إلى أنشطة تجارية ، في حين أن البلد يحتاج لضمان أمنه الغذائي من مورده الخاص وفي منطقته الاقتصادية الخالصة.
إن من حق البلد أن ينقل مجهود صيد السطح للسوق المحلي من اجل توفير الغذاء للشعب بأسعار في متناوله وهو يجلس في بيوته بقرار وطني ”قسري”، وأن تضمن الدولة ذلك على امتداد زمن الأزمة المرتبط بجائحة مجهولة الأطوار. إن كل ما يمكن الإدلاء به هنا هو أن الأمر يتوقف على الإرادة السياسية، ولا تمكن المزايدة على ذلك.