ولد ميني يتحدث عن تحديات فنّ المسرح بموريتانيا

الأخبار (نواكشوط) ـ الأستاذ والفنان المسرحي باب ولد ميني، وجه لامع في فن المسرح الموريتاني، اشتهر بأدائه ممثلا على الخشبة ومخرجا خلف الكواليس وأستاذا يعلم الأجيال فن المسرح.

 

عرف باب ولد ميني بأنه كان ضمن قلة من الفنانين المسرحيين الموريتانيين الذين جمعوا بين الموهبة والتخصص والأداء، فقد ظلت موهبته المسرحية تنمو منذ الصغر كما تخرج من مدارس مسرحية متعددة في المغرب وليبيا ومصر؛ فكان لأدائه بصمات فنية ذات طابع خاص.

 

الأخبار، حاورت الفنان المسرحي باب ولد ميني، ليتحدث عن واقع المسرح الموريتاني والتحديات التي يواجهها وما يمكن أن يقدمه المسرحيون للمجتمع في ظل تحديات العولمة.

 

وهذا نص المقابلة:

البعض ينظر للمسرح باعتباره وسيلة ترفيه فقط، كيف تنظر شخصيا إلى فن المسرح؟

باب ولد ميني: الكثير من الموريتانيين ينظرون للمسرح على أنه وسيلة ترفيه فقط، هو وسيلة ترفيه لكنه أيضا وسيلة تعليم وترسيخ القيم الأخلاقية والثقافية، كما أنه من أقوى أدوات التعبير؛ فالمسرح أستاذ الشعوب، كما يقال، هو أبو الفنون..

 

هو أيضا الإطار الذي بإمكاننا أن نتحرك به وفيه كمتخصصين من أجل تغيير العقليات وترسيخ قيم الأخلاق والثقافة لهذا المجتمع ونستنطق كل ما فيه من تراث وقيم ثم نقدمها للأجيال.

 

الآن الصورة والمشهد هما المسيطران على اللحظة التاريخية التي نحن فيها، الآن الكلمة انتهت، المراجعة انتهت، المطالعة انتهت.. للأمانة هذا حال كل دول العالم وليس في موريتانيا، إلا أن مجتمعا كمجتمعنا تزيد نسبة الأمية فيه على النصف والنصف الآخر يتسرب من المدرسة يكون التحدي أكبر.

 

المسرح بالنسبة لي هو أداة تثقيف وأداة تعليم وأداة تنوير وأداة تهذب النفس كفن يعلم يرقي بالذوق العام يستنطق الموروث يقوم أيضا بمعالجة الكثير من الأمراض  الاجتماعية داخل المجتمع،  المسرح مثله مثل الدراما والسينما يعتبران مرآة الشعوب وتقول الدراسة النقدية:  “إذا أردت أن تعرف مدى الوعي الاجتماعي لأي مجتمع ما عليك سوى مشاهدة ما يقدمه مسرحه”، فبإمكانك من خلال مشاهدة مسرحه معرفة كل شيء عن هذا المجتمع: رقيه وازدهاره وذوقه، من خلال الديكور السينوغرافيا، من خلال الشخصيات و الحوار تشاهد المجتمع كله..

 

المسرحية تكشف بعض الأمور والأشياء التي تكون تحت السطح فتظهرها فوقه، تجعل الأشياء القبيحة جميلة، والأشياء الغير منظمة تنظمها تعطيك ما بداخل المجتمع لكن تقدمه على مرآة يعني أنه مرآة عاكسة لكل ما هو موجود داخل المجتمع.

 

بالنسبة لي هذا هو المسرح.. أما اعتباره وسيلة تسلية فقط فهو خطأ، في المسروح تجد كل شيء: التسلية، الإفادة، التعليم، التنوير، تجد فيه كل شيء..  المسرح هو كل شيء، المسرحية عبارة عن نص مليء بكل شيء: الكوميديا تضحك والتراجيديا تبكي…. هذا هو المسرح.

 

والدليل على القول إن المسرح من أقوى أدوات التعليم والتهذيب أنه عندما تقوم بدراسة أو بحث عن تاريخ المسرح فسترى أن كل الحضارات التي كانت تولي أهمية للمسرح كانت حضارات تنوير وكانت عصورها عصورا ذهبية، القرن الرابع الميلادي عند الإغريق عصر أيسخيلوسيوس وروبيرتس هؤلاء رواد المسرح آنذاك في الحضارة الإغريقية.

 

عندما جاءت الحضارة الرومانية على أثرها لم تقدم أي شيء للمسرح وبالتالي تقهقرت وأصبحت عسكرية.. وعندما نأتي للعصور الوسطى ما بعد العصر الروماني كان عصر ظلام لأنهم حرّموا  المسرح وأصبح منبوذا، وعندما نصل عصر النهضة في القرن السادس عشر مثلا  نرى أنه كان عصرا ذهبيا مع شاكسبير بالقصر الأليزبيتي، وفي القرن الثامن عشر كان أيضا عصرا ذهبيا مع موليير وراسين وهم رواد المسرح الفرنسي.. هذا يعني أن كل العصور التي أعطيت فيها أهمية للمسرح كانت عصورا ذهبية كان العقل نيرا كان الذوق جميلا.

 

هذا هو المسرح ، أمة لاتقدم شيئا للمسرح ولا تعرف المسرح ولا تشاهده أمة ناقصة أمة فقيرة أمة بليدة لأن المسرح مساحة للتثقيف والتنوير مساحة لتذوق الجمال وكل شيء.

 

ما الذي يمكن أن يقدمه المسرح اليوم للمجتمع الموريتاني في ظل تحديات العولمة التي تجتاح العالم؟

باب ولد ميني: المسرح بإمكانه أن يقدم كل شيء في هذه الظرفية التاريخية فنحن بحاجة له.. إن مجتمعا ليست له متانة ولا مناعة، فهو مجتمع فرجوي يتفرج على كافة ادرامات العالم، لقد أصبح هذا المجتمع في مهب الريح.

 

لو أن الجهات الرسمية تعرف أهمية المسرح لكانت أسست مسرحا وطنيا لأننا بحاجة لـ “دراما وطنية، وسينما وطنية” لتكون قادرة على تقديم فرجة لهذا المجتمع لأن الشعوب لا تنسجم إلا مع فنونها وتراثها وعندما تكون عندك قوة الملاحظة والتركيز وتشاهد الشارع الموريتاني  تشاهد الماكياج عند البنات وملابسهم تلاحظ أن هنالك تأثيرا للدراما التركية والهندية عليهم حتى الشباب بتسريحاتهم ترى تأثير الدراما عليهم.

 

لو أننا قادرون على تأسيس مسرح وطني ودراما وطنية قادرة على تقديم الفرجة البديلة لاستطعنا تقديم ذواتنا، أبطالنا التاريخيين شخصياتنا النموذجية في السلوك في الحضارة في العلم في الذكاء في الهدوء في الإيمان في كل شيء بدل أن يقلد أطفالنا وبناتنا “ميماتي وجانسي ومراد عالم دار” وأبطال السينما المكسيكية، هذه هي اللحظة التاريخية للمسرح الموريتاني والدراما والسينما الموريتانية إذا أعطيت لهم أهمية فهم قادرون على تكوين بديل لهذا المشاهد المصاب بعدوى وحب الفرجة.

 

المسرح الموريتاني قادر على أن يقدم  البديل وينير المجتمع وأن يدخل على الأقل على  الخط، ولكن هذا الفراغ عند الشباب والهروب في المتاهات هو نتيجة لعدم وجود مسرح نير ينور العقول ويتفرجون عليه بدل التفرج على المحرمات والدراما التي لا تخدمهم ومن لا يتفرج منهم عليه يذهب إلى الشارع لتعاطي المخدرات.. المسرح قادر على تنوير العقل وتعرية الأمراض التي تصيب الشباب..

 

لو أنه يوجد مسرح لديه إمكانيات ولديه على الأقل تصورات وخطة إستراتيجية  لفعل كل شيء  لهذا الإنسان الموريتاني المصاب بعدوى الفرجة والمشاهدة.

 

المجتمع مليء بالأمراض بالحساسيات بالجهل بالتوتر بالأمية بالعنصرية، المسرح وحده القادر على صقل هذه النفوس وعلى أن يقدم لوحات فنية يشاهد فيها كل إنسان التاريخ المشترك بيننا.

 

ليس أمامنا الآن سوى الفن لأنه وحده القادر على أن يستنطق هذا المشترك هذه العادات هذه التقاليد هذا الموروث هذا الدين هذا الشباب المتوتر في الشارع ترى كل واحد عنصري  ينظر للآخر بازدراء بتوتر ولو أن هنالك  فنا أو سينما أو مسرحا أو موسيقى قادرون على الأقل أن يدخلهم هؤلاء الشباب والوقوف جنبا إلى جنب  لإنشاء لوحة فنية  أو تقديم مسرحية أو أغنية أو فيلم سترى على الأقل أنهم سيساهمون فيما يعرف بالحوار المفقود حاليا في الشباب الموريتاني الذي  كل مجموعة و “شظية” منه متوترة وحدها وشبابها متوتر.

 

المسرح والفن قادران على أن ينهيا هذا “التشظي” والتوتر الذين وصلهما المجتمع الموريتاني الذي أصبحت المجموعة فيه تنقسم “وتتشظى” إلى عدة “شظايا” للأسف هذا كله بسبب عدم وجود فن واع قادر على أن يتحمل مسؤوليته ويحمل رسالته لهذا المجتمع.

 

كيف أسهم المسرحيون الموريتانيون في تغيير العقليات وإصلاح المسلكيات؟

باب ولد ميني: المسرح الموريتاني بكل أسف لم يوجد بعد وإنما توجد جمعية أو جمعيتان كل واحدة منهما تتحرك في صحراء قاحلة في تربة جرداء غير قابلة لتنبت نبتة المسرح المباركة.

 

غير أن هنالك بعض المحاولات التي تبث في رمضان على شاشة التلفزيون في رمضان كـ “ورطة فورطة” و”يوميات أسرة” تحاول على الأقل أن تعالج بعض الأمور وتساهم في تغيير العقليات وتقويم المسلكيات لأنك عندما تشاهد تلك الدراما البسيطة  الكوميدية التي أعدت في إطار مقصود بتلك الطريقة على الأقل لمعالجة  بعض تلك القضايا البسيطة في المجتمع تحاول أن تقدم وتعالج وتستنطق بعض الأمور الموجودة في الواقع في الشارع وفي الأسرة الموريتانية بطريقة كوميدية ونظن أنها على الأقل تحاول جادة تغيير العقليات وترسيخ بعض المفاهيم لكن بكل أسف ليس هنالك أي دعم ليست هنالك إستراتيجية  للمسرح لأن الوزارة الوصية والدولة بكل أسف  لم تعطيا بعد أهمية له.

 

كان من المفروض أن يوجد مسرح وطني سينما دراما تلفزيونية وطنية توكل لها مهمة توعية المجتمع، معالجة قضاياه معالجة أمراضه لكن للأسف هذا غير موجود.

 

الموجود فقط هو محاولات فردية دائما تصطدم بأرض الواقع و جدار الواقع المتين ليس هناك دعم ليست هناك جهات رسمية لترعى المسرح هذا بكل أسف هو الواقع وأخشى أن يحصل نفس الانقطاع، لأنه منذ تأسيس الدولة الوطنية المسرح الموريتاني تأتيه مجموعة من الهواة يقضون شبابهم فيه وحين تتقدم بهم السن تكون لد يهم ظروف وحاجيات لا يلبيها المسرح ويذهبون إلى مجالات أخرى وتحصل قطيعة  ليأتي جيل بعد ذالك ويذهب هو الآخر وأخشى من تلك القطيعة إذا لم تتلقفه الدولة والجهات الرسمية وتأسس له إطارا…

 

نستبشر بمعهد فنون العرض والموسيقى على أنه على الأقل يكون بعض الشباب على فن المسرح “التمثيل ، كتابة السيناريو، الإخراج، الموسيقى،  السينما، الفن التشكيلي”، وتدرس هذه الأجيال بعد تخرجها أجيالا أخرى..

 

للأسف، منذ تأسيس الدولة الموريتانية فإن وزارة التعليم لم تعط  أي منحة للمسرح للفن التشكيلي للسينما بدل المنح للبيطرة للزراعة للميكانيكا… لكن الفن “لا”وكأننا مجتمع ليس بحاجة إلى الفن.

 

ماذا عن واقع فن المسرح بموريتانيا في الوقت الراهن، وما هي التحديات التي يواجهها؟

باب ولد ميني: بالنسبة للواقع هو واقع ليس فيه احتضان لهذه المواهب ليس فيه إطار تنظيمي يؤطرها أصبحت الساحة مفتوحة لكل من هب ودب، البعض شوه المسرح بالكوميديا الرخيصة التي يقدمها وتصادم الأجساد التي يقومون بها والتقليد البليد الذي يقوم به بعض ممثلينا ويدعون أنهم ممثلين ولا علاقة لهم بالتمثيل ولا يعرفون أن الممثل ليس مقلدا، التقليد شيء والتمثيل والتجسيد شيء آخر.. المقلد لا يمكن أن يقلد إلا ما شاهده لكن الممثل متمكن من أدواته الفنية قادر على أن يجسد كل الشخصيات وعلى أن يقدم شخصيات لها أبعاد فردية ومنفردة هذا بكل أسف هو واقع المسرح الموريتاني مثله مثل الصحافة مفتوح أمام الجميع.

 

ونرجو أن يوجد إطار قانوني على الأقل ينظم هذا الفن ليوجد أناس صادقون مؤمنون متخصصون ليقدموا هذا الفن فيأخذ دوره في هذه اللحظة التاريخية التي نحن محتاجون فيها له نتيجة الشد والجذب و موجة الإلحاد وقلة الأخلاق.

 

لو شاهدت تصرفات الشباب داخل مواقع التواصل الاجتماعي للاحظت ذلك، لو كنت تملك قوة الملاحظة والتركيز للاحظت أن هذا المجتمع يسير نحو الهاوية، للأسف كان من المفروض أن توجد مدارس أخلاقية فنية قادرة على أن ترسخ بعض القيم، هذا للأسف ما نشاهده هذا هو واقع المسرح الموريتاني.

 

هنالك رجال مؤمنون بهذا المسرح جمعية المسرحيين الموريتانيين جادون ولا زالوا متمسكين بالحبل والخيط كي لا ينقطعا حتى يأتي الله بالفرج وتؤمن الدولة بالمسرح وتحتضنه وتؤسس إدارة أو مصلحة مكلفة بالتفكير وطرح التصورات وتنفيذها هذا هو واقع المسرح الموريتاني.

 

هناك تحديات قوية؛ فالمسرح لا يعني تخصص شخص أو اثنين في المسرح.. تصور معي أن في موريتانيا كلها هنالك ثلاثة أشخاص فقط تخصصوا في المسرح والآن لا يعملون في المسرح أنا أعمل في التلفزيون رغم أني خريج المعهد العالي للفنون المسرحية و الزميل التقي ولد عبد الحي يعمل الآن بمعهد الموسيقى وكان يعمل بـ “كابك” وزميلي أحمد حبيبي أستاذ بالجامعة الآن، الساحة مفتوحة طبعا.. هنالك من هم جادون لكن هنالك آخرون “بلطجيين”.

 

جمعية المسرحيين الموريتانيين بها شباب واعد جاد مؤمن بالمسرح يحترق من أجل تقديم مسرح يحمل مواصفات أكاديمية سواء في كتابة السيناريو سواء في فنيات العرض، لقد تدربوا وشاركوا بعدة دورات تكوينية وعدة مهرجانات منها مهرجان خليفة الإسطنبولي بتونس ومهرجان الشارقة للفنون المسرحية والمهرجان الحساني بالمغرب في مدينة العيون.

 

كيف تقيم الإنتاج المسرحي اليوم في البلاد؟

باب ولد ميني: بالنسبة لتقييمي للإنتاج المسرحي الموريتاني ليس، فيه شيء يذكر سوى هذه المحاولات الجادة من جمعية المسرحيين الموريتانيين أو بعض الهواة يحاولون صنع شيء..

 

بكل أسف التراكمية غير ممكنة لعدم وجود متخصصين داخل التجربة ليمسكوها على الأقل ليعيشوا منها.. فكما قلت لك المتخصصون ثلاثة فقط وكل واحد منهم يعمل في مكان آخر من أجل تحصيل قوته اليومي إضافة إلى بعض الهواة الآخرين، ويعملون أيضا خارج المسرح ولديهم لحظة زمنية يمكن أن يمارسوه فيها.

 

بكل أسف الإنتاج غير موجود ما عدا بعض الإنتاج التلفزيوني الذي يعد موسميا في رمضان لصالح المشاهد الموريتاني ويلاحظ أنه مهزوز وبه بعض النواقص من ناحية الصورة والصوت والديكور والسينوغرافيا أولا لعدم وجود متخصصين لهذه المهن الثقافية كالإخراج وكتابة السيناريو والسينوغرافيا والديكور والإضاءة والموسيقى التصويرية والأزياء هذا كله غير موجود وكل ما تراه اليوم هو بعض المحاولات مازالت متعثرة وتحوي بعض النواقص.

 

بالنسبة لي مرتاح لأنها بداية كجميع البدايات بعد قراءتي  لبداية المسرح في السعودية والإمارات كانت نفس البداية بدأت مع بعض الهواة تعثروا ونهضوا أخطأوا وصححوا أخطاءهم واجهوا نواقص وأكملوها، لكن عندما وجد الدعم ومنح الطلاب لدراسة المسرح وعادوا ووظفت تجربة الهواة فالآن بتلك الدول مسرح ودراما متطورين.

 

وأنا متأكد أنه لو وجد انتباه لهذه التجربة التي دخلها الكثير من الهواة بإمكانها أن تثري نفسها بنفسها على الأقل تجد مساحة زمنية وبعد ذالك بعض الدعم  لأن الإنسان الموريتاني بطبيعته موهوب إذا درس وتخصص في المسرح فسيوجد في هذه البلاد مسرحيون وسينمائيون.

 

وتحديدا التحديات التي يواجهها المسرح تحديات كبيرة منها:

ـ عدم الاهتمام الرسمي بالمسرح والفن بصورة عامة باعتباره من أكبر روافد التنمية والناس لم تعرفه

ـ عدم وجود مدارس ومعاهد متخصصة تدرس هذه المهن وتشجع خريجيها وتدعمهم

ـ عدم وجود منح في هذا المجال

ـ عدم  وجود دعم من جانب الدولة

ـ عدم فهم “التجار” المستثمرين لأهمية المسرح والسينما والثقافة بشكل عام ولا يدركون أنه يمكنهم الاستثمار في هذه الفنون فهي توفر الأرباح فكما توفر الحاويات التي يستوردونها من الصين ومن الهند والسند وكل مكان، بإمكانهم أيضا إنتاج أفلام وأغانٍ ومسلسلات وتحصيل الربح من خلالها والفوز بميداليات.. إنهم لا زالوا حتى الآن لا يدركون أنه بإمكانهم الاستثمار في هذا الفن والربح من خلاله، هذه إحدى النواقص التي تشكل تحديا أمام المسرح.

ـ عدم اهتمام الدولة بالمسرح من أكبر التحديات.. تصور معي لا توجد مصلحة في وزارة الثقافة ” الوزارة الوصية للمسرح ولا للسينما ولا للفن التشكيلي، ومنذ تأسيس الدولة الوطنية لم تمنح وزارة التعليم أي طالب لدراسة المسرح ولا في السينما هنا فقط بعض الشباب عبر علاقاته  وحسابه الخاص استطاع أن  يشارك في دورات تكوينية بعد تدربه في دار السينمائيين  وجمعية المسرحيين.

 

نحن نريد بعثات دراسية تذهب وتتخرج بعد أربعة سنوات من الكليات والمعاهد ، وتدرس فن المسرح.. المسرح أصبح علما يدرس لديه مدارس ومناهج وقواعد ولديه أموره كلها والسينما نفس الشيء.. ويأتيك أحدهم من خريجي جامعة نواكشوط أو متسرب من الدراسة ويقول لك إنه رجل مسرح أنا كاتب مسرحي، لست مسرحيا ولست مخرجا ولا ممثلا مسرحيا.

 

لأن المسرح  يدرس في المعاهد؛ فن الممثل يدرس وفن الإخراج يدرس في مدارسه هذا هو الواقع ، ما لم يوجد اهتمام رسمي من الدولة وما لم يوجد دعم مباشر وما لم توجد إستراتيجية وطنية في هذا المجال وما لم ترسل وزارة التعليم طلابا لدراسة المسرح ويؤسس معهد للفنون الجميلة ويفتح قسم في كلية الآداب لتدريس السينما والمسرح فهذه التحديات تبقى قائمة.

 

الاهتمام الرسمي بالمسرح غير موجود، الاهتمام الشعبي غير موجود، المجتمع لا يفهم دور المسرح يضحك إذا وجد ما يضحكه، وإذا لم يوجد لا يشاهده؛ ورسالة العمل الفني المبطنة في الكوميديا والضحك لا ينتظرها ولا يفهمها ولا يعرفها!

 

مجتمع لا يقرأ الرسائل، يقول  لك “ورطة افيلحة”، ورطة فيها رسائل كما كانت “شي إلوح فشي” فيها رسائل؛ لكن رسائل مبطنة فيها شيء من الرمز عن طريق الكوميديا إلا أنها بكل أسف غير معروفة وغير مفهومة..

 

لا أدري لماذا لا يدرك الموريتانيين أهمية المسرح، أهمية المسرح في تقديم الذات أنه بإمكانك أن تستنطق كل ما عندك وتقدمه  للآخر في  أفلام ومسلسلات لتعرفه عليك.. إن السينما والمسرح الآن من أكبر سفراء الثقافة، المخرج المسرحي أو المخرج السينمائي المشارك في السينما الدولية سفير فوق العادة وكامل السلطة يقدم ثقافة بلد وبإمكانه أن يقدم البلد ويرفع علمه عاليا هذا بكل أسف غير معروف عندنا.

 

ما هو طموح الفنان المسرحي باب ولد ميني لمستقبل هذا الفن في موريتانيا؟

باب ولد ميني: كل ما أطمح له كمتخصص تورط في التخرج من المسرح هو أن يوجد مسرح وطني.. المسرح الوطني أصبح كالنشيد الوطني والعلم الوطني لا يمكن للدول الاستغناء عنهما ، المسرح الوطني عندما يوجد ليخرج فنانين غير مصابين بعقدة الذنب ولا  ما يعرف  باهتزاز الشخصية  ولا إقصاء الآخر سيخرج فنانين مسلحين بقيم الثقافة والمسامحة ويبثونها.

 

طموحي أن يوجد معهد للفنون الجميلة وأن ينشأ قسم في كليات الآداب للمسرح وأن ترسل وزارة التعليم طلابا لدراسة المسرح فيتخرجوا ويعودوا لإثراء المسرح الموريتاني، طموحي أن أرى المسرح الموريتاني ينافس المسرح التونسي والمغربي وأن تعطي الدولة اهتماما له وتبني مسارح في كافة الولايات.. تونس دولة أفقر كل ولاياتها بها مسارح وعاصمتها  بها أربعة مسارح إضافة لمسرح قرطاج الوطني، وفي المغرب حدث ولا حرج، درست بمراكش 1986 بها أربعة مسارح بها قصور الثقافة.

 

بكل أسف ليست هنا دار للمسرح ولا بيت له ولا للموسيقى ولا السينما ولا الفن التشكيلي، طموحي أن نعمل جادين ويوجد انتباه من الجهات الرسمية يعي أهمية المسرح والفن بشكل عام وتنشأ إدارة خاصة بهذا الفن أو هيئة أو خليه مهمتها تطوير الفن الموريتاني هذه الخلية إن أنشئت بإمكانها أن تقدم الكثير من الرسائل وتشارك في تنمية عقول الشباب ويدخل المسرح في المنهج التربوي الموريتاني لأن كل مدارس الابتدائية في العالم تدرسه فهي تعي مدى أهمية هذا الفن.

 

بالمناسبة تجربة المسرح المدرسي التي أعدتها جمعية المسرحيين الموريتانيين أثبتت نتائج إيجابية، وعلى الأقل  دخلنا المدرسة علمنا الأطفال كيف يتكلمون، وجدنا البعض منهم لديه عزلة وانطواء حررناهم وكسرنا عنهم تلك القيود الوهمية، حيث تفاجأنا بالمواهب التي يملكها هؤلاء الأطفال.

 

أهمية المسرح أن يقدم هذه الأشياء، من المهم للطفل أن يتحرر وتكتشف مواهبه وتنمى وتكون عنده موهبة القيادة يصبح قائدا في المستقبل يكون يمتلك قوة الملاحظة والتركيز، إنها أشياء مهمة جدا.

 

متأكد من أن المستقبل سيكون واعدا، الأمة الموريتانية أمة نيرة مجتمعنا به الكثير من المواهب والقدرات وإن آمنت بهذا المجال فسيرى النور لاشك، ما ينقصه فقط هو التفاتة من الجهات الرسمية وطرح إستراتيجية في تنميته وإدخاله ما يعرف بالدورات الاقتصادية وإدراك أنه من أكبر روافد التنمية حسب ما تفيد به التقارير القادمة من  اليونسكو والمنظمات الدولية التي تقول إن الثقافة والفن بشكل خاص يعول عليهما إن دخلوا دورة التنمية.

 

نحن لا نمتلك إلا الثقافة لا نمتلك إلا الفن، والعاقل من يستثمر فيما يمتلك وهذا نداء للجهات الرسمية، وأرجوا أن تعرف أن الموريتانيين لن يصنعوا طائرة ولا قنينة مياه لكنهم  قادرون على أن يقدموا مسرحا أن يقدموا فنا أن يقدموا أغنية أن يقدموا ثقافة أن يقدموا شعرا؛ وهذا هو ما نمتلكه.